إجراءات وزارة التربية للحد من الغش والتسريبات في امتحانات الشهادة السودانية 2025

في ظل التحديات الأمنية واللوجستية التي تواجهها السودان خلال الفترة الحالية، تصدرت مسألة نزاهة امتحانات الشهادة السودانية 2025 اهتمامات وزارة التربية والتعليم وشغلت بال الطلاب وأولياء الأمور على حد سواء. ومع تكرار حوادث الغش والتسريبات خلال السنوات الماضية، شرعت الوزارة في تبني حزمة متكاملة من الإجراءات الأمنية والتقنية لضمان سير الامتحانات بكل شفافية وعدالة.
خلفية المخاطر والغاية من الإجراءات
شهدت الامتحانات السابقة لحظات من التوتر والإرباك نتيجة انتشار صور أوراق الأسئلة قبل بدء الجلسات، إضافة إلى حالات غش جماعي في بعض اللجان. هذه التجارب دفعت الوزارة إلى إعادة النظر في أساليب الإعداد والتوزيع والرقابة على أوراق الأسئلة وإجراءات اللجان. والهدف الرئيسي هو تحقيق المعادلة الصعبة: حماية حق الطالب في التنافس الشريف دون تعطيل سير الامتحانات أو المساس بحقوق الفئات الأكثر هشاشة.
تتمثل المخاطر الرئيسية في:
- تسريب الأسئلة قبل بداية الجلسات بفترة كافية للتوزيع على نطاق واسع.
- استخدام الهواتف النقالة أو الأجهزة الذكية لنقل الإجابات خارج اللجنة.
- تدخل عناصر خارجية أو مجموعات منظمة لتسهيل الغش.
صياغة الأسئلة ونظام البوكليت
اعتمدت الوزارة في عام 2025 على نظام البوكليت، وهو دمج ورقة الأسئلة وجواب الاختيار ضمن كراسة واحدة يحتوي كل منها على الإجابات المتعددة الاختيارات أو النموذجية مكتوبة مسبقًا. هذا التحول في تصميم ورقة الامتحان يوفر عدة مزايا:
- التقليل من عدد الأوراق المتداولة، مما يقلل فرص التصوير والتسريب.
- زيادة صعوبة نسخ الأسئلة عبر الهاتف بمجرد توزيع الكراسات في الوقت ذاته.
- تسهيل عمليات العد والفرز داخل الكنترول بعد انتهاء الامتحان.
كما جرى تطبيق تقنية الأرقام التسلسلية الفريدة لكل كراسة بحيث لا يجوز إعادة تعبئة أو تبديل الأغلفة بين الطلاب، مع توثيق عملية الفتح المغلق أمام المشاركين في الوقت المحدد.
تعزيز قدرات المشرفين والمراقبين
لوجود دور حاسم للمشرفين في مناخ لجنة الامتحان، نفذت الوزارة برامج تدريبية مكثفة لكافة المشرفين والمراقبين، تضمنت:
- ورش عمل لإرشادهم إلى أحدث أساليب الغش الإلكتروني والتخابر بين الطلاب.
- تمارين ميدانية تحاكي حالات اشتباه حقيقية ويُدرّب المشرفون على التدخل الفوري وآليات التحفظ.
- تدريب على استخدام أجهزة كشف الطباعة وأقلام الحبر المخبأة للتنبيه عند أي محاولة تعديل في ورقة الإجابة.
كل مشرف تلقى دليل إجراءات صارمًا يوضح الخطوات الواجب اتباعها عند الاشتباه بغش، بدءًا من منعه ومصادرة الأدوات وصولًا إلى إعداد محضر رسمي يرفق برد الطالب لعمليات الكنترول.
التعاون مع الأجهزة الأمنية
تعاونت وزارة التربية مع كافة الجهات الأمنية لضمان مرور آمن ورقابة مشددة على مداخل اللجان ومحيطها:
- نشر نقاط تفتيش ثابتة ومتحركة بالتنسيق مع الشرطة والدعم السريع حول مراكز الامتحانات في الولايات الرئيسية.
- استخدام حواجز معدنية للسيارات والدراجات النارية قرب المداخل، ومنع دخول أي مركبة غير مصرح لها.
- توفير دوريات أمنية طوال فترة الامتحانات لتفقد المخالفين وتوقيف من يحمل أجهزة مصرح بها داخل اللجان.
كما جرى استخدام طائرات مسيرة (درون) للتفتيش الجوي فوق بعض المراكز الحدودية التي تتوقع الوزارة أن يتسلل منها مسربون.
التقنيات الإلكترونية وأنظمة التشويش
دخلت أدوات تقنية جديدة حيز التنفيذ لأول مرة في السودان:
أجهزة التشويش على الإشارات
تم تركيب أجهزة تشويش في داخل اللجان وعلى بعض الطرق المؤدية إليها لمنع استقبال أو إرسال إشارة الهاتف المحمول أو الواي فاي أثناء زمن الامتحان. هذا الإجراء يمنع التواصل المباشر بين الطلاب ومراكز التسريب الخارجية.
كاميرات المراقبة المركزية
زودت الوزارة اللجان الرئيسية بكاميرات عالية الدقة مرتبطة بغرفة مراقبة مركزية في مقر الوزارة بالخرطوم. ترصد الكاميرات كل لجنة في الوقت الفعلي، ويقوم فريق فني بمتابعة أي حركة اشتباهية وإطلاق الإنذار للمشرفين الميدانيين.
النظام القانوني والعقوبات الرادعة
أصدرت الوزارة بالتعاون مع القضاء تعليمات تُجري تعديلًا في القانون الخاص بالغش وتسريبات الامتحانات:
- فرض حجز احتياطي لكل متهم بالغش أو التسريب لمدة تصل إلى 72 ساعة لتوخي الإجراءات القانونية.
- غرامات مالية كبيرة قد تقارب 100 ألف جنيه سوداني للطالب أو المسؤول المعروف بتسريب الأسئلة.
- منع الطالب من إعادة الامتحان لثلاث سنوات في حال ثبُت تورطه في غش جماعي أو تسريب ورقيات.
- المساءلة التأديبية للمشرفين أو المعلمين المتورطين في التواطؤ، والتي قد تصل إلى فصلهم من الخدمة نهائيًا.
تقييم التجربة وأثر الإجراءات
أظهرت التقارير الأولية أن عدد حالات الغش المعروفة انخفض بنسبة تتراوح بين 65–80% مقارنة بالعام الماضي، وفق ما أشار إليه الأمين العام لوزارة التربية. كما أبدى أولياء الأمور ارتياحًا ملحوظًا للضوابط الصارمة، معتبرين أنها أعادت للمنافسة سمعتها العادلة.
تحديات وتوصيات مستقبلية
- الوصول للنازحين: لا تزال بعض الفئات محرومة من الوصول للجان بداعي النزوح الداخلي، لذا يُوصى بإنشاء لجان متنقلة مؤقتة أو مراكز للتسجيل المبكر قرب مخيمات اللجوء.
- تعزيز الرقابة التقنية: فتح قنوات رصد إلكترونية تتيح للطلاب وأولياء الأمور الإبلاغ الفوري عن أي حالة يشتبه فيها بغش عبر تطبيق رسمي للوزارة.
- التنسيق الإقليمي: عقد ورش عمل دورية مع الدول المجاورة لتبادل الخبرات في مكافحة الغش وضمان حوكمة الامتحانات.
قدمت وزارة التربية والتعليم السودانية خلال امتحانات الشهادة السودانية 2025 نموذجًا متقدمًا في ضبط إجراءات الامتحانات ومكافحة الغش والتسريبات، من خلال أنظمة البوكليت، والتقنيات الأمنية، والتعاون مع الأجهزة المعنية. هذه الخطوات لم تقتصر على ضمان نزاهة العملية الامتحانية فحسب، بل أسهمت أيضًا في استعادة الثقة بين الطلاب وأولياء الأمور تجاه نتائج الوجهة التعليمية الأهم في السودان. يبقى التحدي المقبل في توسيع هذه الإجراءات لتشمل كل مناطق النزاع ودعم الطلاب الأكثر تضررًا، وتحويل التجربة الحالية إلى معيار مستدام في المستقبل.